أرتميس: لماذا اختارت ناسا تسمية بعثتها باسم "الإلهة الصيادة"؟

16-11-2022, 18:25

+A -A
الغد برس/متابعة  

في الأساطير الإغريقية أرتيميس، هي إلهة الصيد والغابات والحياة البرية والقمر. هي أيضاً الأخت التوأم لأبولو، إله الشمس والموسيقى والشعر.

في التجسيدات الفنية القديمة لهما، عرف التوأمان بهواية مشتركة: القوس والنشاب، ولذلك ربما، اختارت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا تسمية بعثاتها إلى القمر، تيمناً بهما.

ليس جديداً على علماء الفضاء تسمية مهامهم بأسماء آلهة الإغريق، خصوصاً أن معظم أسماء الكواكب مستوحاة أيضاً من أسماء آلهة الحضارات القديمة.

بعد نصف قرن على رحلة "أبولو" الأخيرة، أعادت "ناسا" إحياء برنامجها الهادف إلى إرسال بشر إلى القمر، ضمن برنامج جديد أسمته "أرتميس".

حملت مركبة "أبولو 11" أول إنسان إلى القمر عام 1969، وكانت جزءاً من برنامج يحمل الاسم ذاته، واصل إطلاق المركبات إلى القمر حتى عام 1972، قبل أن يحال إلى التقاعد.

 

ما هدف مهمة "أرتميس"؟

بعد تأجيلها الأسبوع الماضي بسبب عطل في المحرك، من المتوقع أن تنطلق السبت، أولى رحلات البرنامج عبر مركبة "أرتيميس 1" باتجاه القمر.

المركبة غير مأهولة، وستساعد على اختبار درجات الإشعاع، والاهتزازات، والحرارة، عند عبور الغلاف الجوي.

وستطلق مركبة "أرتميس 1" كبسولة "أوريون" في مدار حول القمر، للتحقق من أن المركبة آمنة لنقل رواد فضاء في المستقبل من بينهم أول امرأة وأول شخص ببشرة ملوّنة يطآن تربة القمر.

وتمثل النساء 30 بالمئة من القوة العاملة في غرف إطلاق "أرتميس"، بعدما كان عددهن يقتصر على امرأة واحدة في مهمة "أبولو 11".

يطمح البرنامج أن يتيح للبشرية لاحقاً الوصول إلى المريخ، وترسيخ وجود بشري دائم على القمر، مع إنشاء قاعدة على سطحه.

وستنقل "أرتميس 2" رواد فضاء إلى القمر في عام 2024، من دون أن تهبط على سطحه. ويخطط البرنامج لإطلاق مهمة مأهولة لطاقم "أرتيميس 3" في عام 2025 على أقرب تقدير.

وعلى المدى البعيد، يهدف البرنامج إلى تعليم البشرية العيش في الفضاء جميع التقنيات اللازمة للقيام برحلات ذهاباً وإياباً إلى المريخ.

أرتيميس عند الإغريق، أو ديانا عند الرومان، هي الإلهة الصيادة وإلهة القمر، راعية الغابات والحياة البرية وحامية الأطفال. وتصوّر دوماً وهي تحمل قوساً وسهام الصيد، وتسير برفقتها غزالة. وفي العديد من تمثيلاتها تظهر وعلى رأسها هلال القمر.

أرتيميس عند الإغريق، أو ديانا عند الرومان، هي الإلهة الصيادة وإلهة القمر، راعية الغابات والحياة البرية وحامية الأطفال. وتصوّر دوماً وهي تحمل قوساً وسهام الصيد، وتسير برفقتها غزالة. وفي العديد من تمثيلاتها تظهر وعلى رأسها هلال القمر.

 

البودكاست نهاية

تكتب المختصة في دراسة الأساطير الإغريقية ماري كلير بوليو، في مقال نشر على موقع "ذا كونفرسايشن" أن اسم المهمة يحمل رمزية عالية، ليس فقط لأن أرتميس كانت إلهة القمر عند اليونانيين والرومان، بل لأنها باتت في العصر الراهن أيقونة نسوية، ويشار إليها كتمثيل للحرية والاستقلالية والقوة. وتضيف أن رمزيتها كإلهة للغابات والصيد، جعلتها أيضاً مصدر إلهام للناشطين في حماية البيئة.

عرفت إلهة الصيد باسمين مختلفين عند الحضارات القديمة، فهي أرتيميس عند الإغريق، وديانا عند الرومان، وكالعديد من أبناء زيوس كان لولادتها سياق تراجيدي.

فالإله زيوس كما يصلنا من كتابات قدماء الإغريق، كان إلهاً مزواجاً، ما تسبّب بالمشاكل بينه وبين زوجته ملكة الأولمب، وإلهة الزواج والعائلة، هيرا.

وتقول الأسطورة أن زيوس وقع في حبّ الإلهة ليتو، وهي من نسل العمالقة، فحملت منه، ما أثار غيظة هيرا. هكذا راحت تتعقبها وأطلقت في إثرها الثعبان بايثون، ولعنتها كي لا تتمكن من الإنجاب في أي مكان تطاله أشعة الشمس.

جاء مخاض ليتو عسيراً، واستمر تسع أيام بلياليها، إلى أن وصلت إلى جزيرة لا تصلها الشمس، وهي جزيرة ديلوس، حيث أنجبت توأمين: أرتيميس وأبولو.

وتقول الأسطورة أن أرتميس أبصرت النور قبل أبولو، وساعدت في سحبه من رحم أمها، فصارت منذ ولادتها، ذلك إلهة المخاض والعناية بالأطفال.

وبالرغم من أن ولادتهما كانت في سياق مأساوي، إلا أن التوأمين لم يظهرا لاحقاً رأفة خلال دورهما في تراجيديا أخرى خطتها الأساطير، وهي قصة نيوبي ملكة طيبة.

أنجبت نيوبي سبع صبيان وسبع بنات، فراحت تفاخر بخصوبتها، وتفوقها على ليتو، وقالت إن ذريتها أجمل من أرتيميس وأبولو.

ولعقاب نيوبي على سخريتها من أمهما، أطلق الشقيقان سهامهما من السماء، وقتلا أولادها جميعاً، فتحولت الأم لشدة حزنها إلى صخرة، تنبع منها الماء، لتمثّل دموعها التي لا تنضب.

 

وجه من وجوه القمر

يعرف عن آلهة اليونان والرومان أنها لم تكن تكتفي بالعناية بمجال واحد من مجالات الحياة، إذ تخيلها العقل البشري قادرة على ضخ طاقاتها في كلّ الاتجاهات، تماماً كأشعة الشمس.

صحيح أن أرتميس، أو ديانا كما أسماها الرومان، كانت سيدة الغابات والحيوانات والبرية والطبيعة المتوحّشة التي لم تطأها الحضارة، إلا أنها كانت أيضاً من أبرز آلهات القمر عبر التاريخ.

في الفنون القديمة، رسمت أرتميس أو نحتت على شكل صيادة ماهرة، تحمل قوسها، وجعبة سهامها، وتمشي وبصحبتها ظبي. وكانت تتكلّل بهلال غير مكتمل على رأسها، يظهر كأنه قرنان مسننان، كالعديد من آلهات القمر اللواتي كنّ يشبّهن أيضاً بالبقرة في عصور أقدم.

 

استلهمت الكثير من العبادات الغابرة طقوسها من دورة القمر، إذ كانت الآلهة الأم أو الأنثى المقدسة، تمثّل طاقة القمر، وأوجه اكتماله المختلفة، مع تعاقب الأيام وتواليها.

تحكم أرتميس في الأسطورة عالم الليل والتوحّش والظلال والبرية غير الملوّثة بأنامل الانسان، في حين يمثل شقيقها أبولو، وكوكبه الشمس، عالم النور، والشعر، والرقص، والموسيقى، والحضارة التي ازدهرت بجهد البشر.

يعدّ هذا الصنوان تكثيفاً لكيفية فهم الأساطير القديمة لتكامل المذكر والمؤنث، والشمس والقمر، والليل والنهار، ويتخذ ذلك وجوهاً عدة، فحيناً على شكل التوأمان أرتيميس وأبولو، وأحياناً على شكل الإلهة الأم وابنها أو حبيبها (إيزيس وأوزيريس، عشتار وتموز، وغيرهم...).

 

لماذا رفضت أرتيميس الزواج؟

بعد حمل والدتها الصعب، طلبت أرتميس من والدها زيوس أن يحقق لها عدداً من الرغبات، ومن بينها وعده لها بألا تتزوّج أبداً.

ففي الأساطير، كانت أرتيميس مشغولة بالقفز بين الأشجار، والركض مع الحيوانات، ولم يكن لديها وقت للرجال.

تعدّ أرتميس واحدة من الآلهات العذارى في الأساطير اليونانية، إلى جانب الإلهة هيستيا، سيدة الموقد، والإلهة أثينا سيدة الحرب.

جرة من الرخام يعود تاريخها إلى العقد الثاني أو الثالث قبل الميلاد، وعليها رسمة لأرتيميس وهي تحمل شعلة تمثل كونها إلهة الليل، وجعبة تمثّل كونها إلهة الصيد، وخلفها شجرة صنوبر.

جرة من الرخام يعود تاريخها إلى العقد الثاني أو الثالث قبل الميلاد، وعليها رسمة لأرتيميس وهي تحمل شعلة تمثل كونها إلهة الليل، وجعبة تمثّل كونها إلهة الصيد، وخلفها شجرة صنوبر.

رفض أرتميس للزواج، ودفاعها الشرس عن عفة مرافقاتها من الحوريات، تسبّب ببعض المنعطفات شديدة الدرامية.

تقول القصة أن أرتميس، عاشقة الصيد، كانت تجوب الغابات دوماً مع عدد من الحوريات. وفي مرة، قتلت رفيق صيدها أوريون، حين حاول الاعتداء على إحدى رفيقاتها.

كذلك حين وقع زيوس في حب الحورية كاليستو، وأنجب منها ابناً، غضبت أرتميس وحولتها إلى دبة. وتكريماً لحبيبته، خصّص زيوس لها ولابنها مكاناً بين النجوم، إذ كان القدماء يعتقدون أنهما مجموعتا الدب الأكبر والدب الأصغر.

وفي قصة أخرى، كان الصياد إيكتيان يجوب الغابة مع كلاب الصيد، بحثاً عن فريسة، وحين اقترب من بحيرة ماء، شاهد أرتيميس تغتسل وحولها حورياتها. وعقاباً له على التلصص، حولته إلى وعل، فلم تعرفه كلابه والتهمته.

ذلك الرفض القطعي للجنس من قبل أرتميس، يفسره بعض دارسي الأساطير بأنه ترميز اختاره الخيال البشري لتوحّش الطبيعة وانغلاق الغابات بأسرارها المقدسة عن عيون الإنسان، وصعوبة تدجين الحيوانات البرية.

ولأن أرتميس أو ديانا وغيرهما من الآلهات يستعدن في الأزمنة الحديثة كرموز لقوة النساء التي طمست على مرّ التاريخ، ربما تريد ناسا من خلال تسمية مهمتها باسم الإلهة الإغريقية، التأكيد على رغبتها بفتح صفحة جديدة، لا تطمر فيها مساهمات النساء القيمة والطليعية في علوم الفضاء كما كان يحدث قبل عقود.

 



كلمات مفتاحية :



آخر الأخبار