تعاون مسرحي تونسي - عراقي يناقش قضية وجودية

1-07-2023, 19:50

+A -A
الغد برس/متابعة  

يخوض مركز الفنون الدرامية بمدينة توزر الواقعة في الجنوب الغربي لتونس تجربة شراكة مسرحية جديدة تقوم على إخراج تونسي لنص خطته أنامل عراقية، تجمع بين الكاتب المسرحي العراقي فلاح شاكر والمخرج التونسي عبد الواحد مبروك، وتأتي بعنوان “الهروب من التوبة”.

المسرحية يشارك فيها إضافة إلى المخرج وكاتب النص، رياض البدوي الذي وضع الموسيقى الخاصة بالعمل، وجليلة مداني في تصميم الأزياء، وأداء كل من عبد الواحد مبروك وحليمة عيساوي وبلقيس جوادي، وهي عمل مسرحي مدعوم من وزارة الثقافة، تحديدا من صندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفني.

كانت آخر أعمال المخرج والممثل المسرحي عبد الواحد مبروك مسرحية “18 أكتوبر” التي انتقدت الوضع السياسي في تونس، والمخرج معروف بأعماله المشاكسة للسلطة والمجتمع وبأنه يلتزم بالانتصار فقط لحرية المسرح وحرية الإبداع.

وهو يخوض هذا العام المنافسة المسرحية بعمل يمكن أن يقال عنه إنه رحلة في عوالم التصوف مستلهمة من مناخات الصحراء في الجريد التونسي المعروف بزوايا الأولياء الصالحين، ولأهاليه علاقة خاصة بمفهوم التوبة والتقرب لله عبر أوليائه الصالحين ومراقدهم.

أما العراقي فلاح شاكر، الذي يخوض هذه المرة المغامرة المسرحية من تونس، فهو كاتب ومخرج مسرحي وتلفازي عراقي قدير، يعد أحد روّاد المسرح في العالم العربي ومن أهمّ وجوهه. كتب العديد من الأعمال المسرحية والتلفازية المهمة.

تحصّل فلاح سنة 1987 على جائزة أفضل مؤلف شاب للموسم المسرحي عن مسرحيتيه “ليلة من ألف ليلة وليلة”، و”ألف رحلة ورحلة”.

في مشاركاته بمهرجان أيام قرطاج المسرحية والمهرجانات المسرحية التونسية، كان فلاح دائما نجما متوجا. زار تونس لأول مرة سنة 1991، وتُوّجت مسرحيته “قصة حب معاصرة” بجائزة أفضل نص في مهرجان قرطاج الدولي. وسنة 1995 فازت مسرحيته “مائة عام من المحبة” بجائزة أفضل نص في أيام قرطاج المسرحية، وسنة 1999 فازت “الجنة تفتح أبوابها متأخرة” بجائزة الإبداع الكبرى في المهرجان نفسه.

وبعد غياب لسنوات، أعادته أيام قرطاج المسرحية في دورة 2022 إلى حبيبته الأولى قرطاج كما يصفها، بصفته عضوا في لجنة التحكيم الدولية، وكانت عودته بداية ليحضر في المسرح التونسي كاتبا، وهو الذي عرف بمواضيعه الفلسفية الوجودية واشتغاله الدائم بالإنسان وهواجسه ومعنى وجوده في هذا العالم الزائل.

يقول فلاح واصفا نفسه وأسلوبه في الكتابة المسرحية “لست كاتب حكايات ولكن لست كاتب مشاعر. أنا عندي الحكاية هو أن أكون قد عرفت  منذ أول صفحتين كل الصراع الموجود، سواء الصراع مع الداخل أو مع الخارج. يمكن القول إن للفلسفة دورا في أن أشدّ المتلقّي من الأوّل، فلا ينتظر حكاية، وإنما ينتظر ما سيحدث من جهة وما سيشدّه للحظة الآن”.

الهروب من التوبة” تغوص في عالم ثلاث شخصيات تعاني من قلق نفسي ووجودي تحت وطأة الشعور بالذنب الأزلي الذي يدفع الضحايا إلى أن يصبحوا جلادين، إلى أن أتيحت لهم الفرصة ليعيشوا دوامة وجع الضمير والبحث عن الخلاص وربما الاتجاه إلى المخلّص أحد أكثر الأساليب شيوعا؟ لكن هل من الممكن الخلاص دون خسارات موجعة؟ هذا ما تحاول الشخصيات في العرض المسرحي الوصول إليه والتعبير عنه.

ويوضح البيان الصحفي أن الفريق العامل على المسرحية حاول منذ بداية الإنتاج في هذا العمل تجديد منهجه والذهاب في المغامرة الفنية إلى حدها الأقصى، “فنحن لا نروي قصة فقط بقدر ما نقترح صورة بلاغية”.

تعتمد مسرحية “الهروب من التوبة” على جمالية تمزج بين الصوت والصمت والصورة والمونتاج، حيث يتطور التعبير والفضاء بطريقة متشظية، ويتدفق النص المتشظي أصلا عبر الصوت والصمت، وحتى ما يقدم من خلال شاشة خلفية هو يتحاور مع ما يحدث على خشبة المسرح فيعري أفعالا وأحداثا ويصمت حينا، ويضيف إلى المعاني أفعالا أحيانا أخرى.

والكلمات والحوارات في مسرحية “الهروب من التوبة” لا تفصح عن الحقيقة بل تحاول إخفاءها، فالكلمة هنا هي سلاح للدفاع والهجوم من أجل إخفاء الحقيقة، وهي وسيلة جديدة للمراوغة والهروب.

ويقول فريق العمل “نلجأ إلى الأفعال فإذا بها تعري الشخصيات وتفضحها فتنبض الحياة في بعد آخر يستثني شخصيات مسرحية ‘الهروب من التوبة’ لأنها شخصيات ملعونة لا تصلح للحياة، بل هي من يتحمل أسباب تلاشيها واندثارها”.

"الهروب من التوبة" تغوص في عالم ثلاث شخصيات تعاني من قلق نفسي ووجودي تحت وطأة الشعور بالذنب الأزلي وتتطور كل لوحة من لوحات العمل المسرحي من اللحظة الملتقطة خارج سياق الحكاية، فكل لوحة تحمل عنوانا وتاريخا وزمانا تحدد الأفعال والأحداث الماضية.

لا علاقة لنا بالآن إلا في اللوحة المعلنة على الآن، فكان الزمان هو إيقاع تراكمي لبناء التشظي لأن البناء أصلا غير مهم”، هذا ما يوضحه البيان الصحفي، لقد استدعت مسرحية “الهروب من التوبة” المتقبل ليقوم بمهمة البناء أو ربما إعادة البناء للمعنى، بناء المسكوت عنه، فالهدف المعلن الهروب إلى التوبة هو في الحقيقة أصل الأشياء، أما “الهروب من التوبة” فله دوافعه.

كان عمل المخرج عبد الواحد مبروك والمؤلف فلاح شاكر مع الممثل يستند على القوة التعبيرية في الأداء بوعي تجريبي ويبتعد عن الاشتغال في السيكولوجي للشخصية. فينفتح على ما هو إنساني كوني، فهو اشتغال على ما يهم الإنسان الآن وهنا الإنسان المعاصر بيعدا كل البعد عن الانتماء، لا لجماعة أو منهج أو أسلوب.

ويقول الثنائي “نسعى من خلال هذا العمل إلى البحث عن الأداء الخالي من الشوائب ونعتمد على البساطة الممتلئة في نفس الوقت بالفرجة والمعنى، فالغياب في هذا العمل هو حضور عبر الضوء واللون والكتلة والكثافة”.

وتنطلق الرؤية الإخراجية في مسرحية “الهروب من التوبة” من القوّة الإيحائية للفضاء وتعتمد بالأساس على فضاء فارغ، فضاء واحد ولكنّه متعدّد، بسيط ولكنّه متحرّك ويسمح بتفجير طاقات المؤدي. هو منزل، هو خلوة مظلمة هو شارع طويل وممتد بين العتمة والظلام والظلال، أرضية رمادية شاسعة لا يحددها إلاّ المفردات الرئيسية للهوية البصرية للعرض والتي تضع المؤدي في تحد مع خصوصيات الفراغ.

يوضح البيان المصاحب للعرض أن “داخل هذا الفضاء يحضر الصوت والضوء والموسيقى كلغة دراماتورجية، هدفنا في ذلك تعميق المشهد وصقل الدلالة. كما أنّ الملابس تنساب في الألوان وتتدرج من الأسود إلى الأبيض مرورا بالألوان الرمادية أو العكس كما هو الشأن في الإضاءة، والتي تعتمد بالأساس المتدرج والمنطلق من الألوان الأولية الأحمر، الأخضر، الأزرق. كما أننا اخترنا أن نقدّم أقلّ عدد ممكن من التفاصيل حتى نجعل من الفراغ تركيبة فنية خالصة”.



كلمات مفتاحية :



آخر الأخبار