+A
-A
الغد برس/ متابعة
لطالما طُرح هذا السؤال في أوساط التغذية الإكلينيكية: هل يُمكن للزنجبيل أن يُساعد مرضى السكري في ضبط ارتفاعات نسبة السكر في الدم، أو في تخفيف سرعة ظهور مضاعفات وتداعيات السكري؟
إجابات مدعومة بالأدلة
والآن يبدو أن ثمة إجابات مدعومة بأدلة علمية تُشير إلى ذلك، فهو يُخفّض سكر الدم، ويُخفّض الالتهابات بفعالية. وذلك مما أكدته مراجعة علمية منهجية رفيعة المستوى للأدلة الإكلينيكية، قام بها باحثون من الولايات المتحدة، حول الفوائد الصحية الواسعة للزنجبيل، والتي استعرض فيها الباحثون تأثيراته المضادة للالتهابات، وتخفيف الغثيان أثناء الحمل NVP، ومرض السكري. ومع تأكيد إمكانية استخدامه على أنه علاج طبيعي آمن، ولكن بعدة ضوابط صحية في الكمية المُتناولة، ومراجعة الأدوية التي يتناولها الشخص بشكل يومي، واستشارة الطبيب المعالج.
ووفق ما تم نشره ضمن عدد بداية أغسطس (آب) الماضي من مجلة «آفاق علم الصيدلة» Frontiers in Pharmacology، قام باحثون في كلية بوريل للطب التقويمي وكلية الطب بجامعة ميرسر في الولايات المتحدة الأميركية بمراجعة عدد من الدراسات الإكلينيكية السابقة التي صدرت في الفترة ما بين عامي 2010 و2025، والتي تناولت بالبحث آثار الزنجبيل على الالتهاب، وسكر الدم، وغيرهما من المؤشرات الفسيولوجية، ما قد يُفيد في استخدامه على أنه غذاء وظيفي.
ورغم استمرار وجود قيود على جودة الدراسات واتساقها، أكدت نتائجهم أن مكملات الزنجبيل تُقلل بشكل ملحوظ من العلامات الرئيسة للالتهابات، وتُخفض مستوى السكر في الدم، ومستويات الهيموغلوبين السكري HbA1c لدى مرضى السكري من النوع الثاني T2D، وتُحسّن من مستويات المواد المضادة للأكسدة في الجسم.
وسائل علاج طبيعية
ومن المهم التعامل مع مرض السكري بتلقي المعالجات الطبية المعتمدة أولاً، نظراً للمضاعفات والتداعيات المرضية عميقة التأثير للمرض. ولكن باعتباره خطوة «مُكملة»، يمكن الاستفادة من الوسائل العلاجية الطبيعية التي ثبتت جدواها الإكلينيكية، دون إهمال المتابعة الطبية، وتلقي المعالجات الطبية المعتمدة. ذلك أن مع تغيرات نمط الحياة والبيئة المعيشية، يتزايد انتشار داء السكري من النوع الثاني بمعدلات مثيرة للقلق. ووفقاً للبيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي للسكري International Diabetes Federation، فقد ارتفع عدد مرضى السكري إلى 415 مليوناً بحلول عام 2015، ومن المتوقع أن يعاني 10 في المائة من البالغين من داء السكري في عام 2040.
وفي الوقت نفسه، زادت متلازمة التمثيل الغذائي (MetS)، وهي عامل خطر مهم لمرض السكري، من خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني بنحو خمسة أضعاف، ووصل معدل الإصابة به إلى ربع سكان العالم البالغين (الاتحاد الدولي للسكري، 2017). ويشترك مرضى داء السكري من النوع الثاني أو متلازمة التمثيل الغذائي في خصائص مشتركة تتمثل في ارتفاع نسبة السكر في الدم، وانخفاض حساسية الإنسولين، والسمنة، واضطراب كولسترول ودهون الدم، وارتفاع ضغط الدم، والتي غالباً ما تظهر مجتمعةً بدلاً من أن تظهر منفردة.
الزنجبيل غني بمضادات الأكسدة
والحقيقة أن البشر منذ القدم، استخدموا الأعشاب والتوابل لأكثر من مجرد مُحسِّنات للنكهة، بل لتعزيز الصحة، وعلاج الأمراض. ولدى كثير من شعوب العالم القديمة، استُخدم الزنجبيل لآلاف السنين لعلاج كل شيء.
والزنجبيل يتميز بنكهة عطرية لاذعة مُشتقة بالأساس من مركبات نشطة بيولوجياً، من أشهرها الجنجيرول، والشوغول. وكثير من الباحثين الإكلينيكيين سعوا بالفعل، وخاصة خلال العقود الأخيرة، إلى الالتفات إلى هذا الأمر. ذلك أن من غير الصحيح إهمال الموروثات العلاجية القديمة.
ولذا تم إجراء العشرات من الدراسات العلمية، في مناطق عدة من العالم، لاستكشاف إمكانات الزنجبيل في معالجة حالات مرضية، مثل مرض السكري من النوع الثاني، والإجهاد التأكسدي، والغثيان والقيء المرتبطين بالحمل. ولأسباب عدة، كانت نتائجها في الغالب متضاربة ومُربكة، مما يُصعِّب على الأطباء والمستهلكين اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الاستهلاك، والجرعة.
وقال الباحثون: «تُشير الدراسات إلى أن الزنجبيل يُمكن أن يُخفض مستوى السكر في الدم أثناء الصيام، ويُحسّن مستوى الدهون في الدم من خلال تعزيز وظيفة إنزيم مضادات الأكسدة، لاحتوائه على أكثر من 40 مركباً كيميائياً تعمل مضادات للأكسدة. وقد أثبتت التجارب السريرية قدرة الزنجبيل على تقليل الإجهاد التأكسدي، والالتهابات».
وفي هذا الجانب أوضحوا بالقول: «يلعب الإجهاد التأكسدي دوراً محورياً في الشيخوخة، والعديد من الأمراض المرتبطة بها، بما في ذلك أمراض القلب والشرايين، والخرف، والتهاب المفاصل، وهشاشة العظام، والسرطان، مما قد يؤدي إلى انخفاض جودة الحياة، وزيادة العبء الاقتصادي على المجتمعات».
وأفاد الباحثون في ملخص نتائجهم بالعناصر التالية:
-ارتبط تناول مكملات الزنجبيل بانخفاضات ملحوظة في مستويات البروتين التفاعلي سي CRP، وعامل نخر الورم ألفا TNF - α، إنترلوكين - 6 IL - 6، مما يشير إلى نشاطه المضاد للالتهابات.
-لدى مرضى السكري من النوع الثاني، خفض الزنجبيل بشكل ملحوظ مستوى الهيموغلوبين السكري HbA1c، ومستوى سكر الدم بعد الصوم FBG، ما يُعزز آثاره المفيدة في مرض السكري من النوع الثاني.
-لوحظت تأثيرات مضادة للأكسدة من خلال انخفاض مستويات المالونديالدهيد Malondialdehyde، وزيادة نشاط الغلوتاثيون بيروكسيديز Glutathione Peroxidase. ما يعكس نشاطه المُضاد للأكسدة.
-لدى النساء الحوامل، خفف الزنجبيل بشكل ملحوظ من أعراض الغثيان. ويُمكن اعتبار الزنجبيل خياراً آمناً وفعالاً بشكل عام غير دوائي للنساء اللواتي يُعانين من القيء اللاإرادي (NVP).
-استُخدمت جرعات تتراوح بين 1 و3 غرامات يومياً بشكل شائع لأغراض مضادة للالتهابات، ومضادات الأكسدة، ومضادات السكري، مع آثار جانبية ضئيلة.
-استُخدمت جرعات تتراوح بين 500 و1500ملغم يومياً على جرعات مقسمة لعلاج غثيان المعدة.
-هناك حاجة إلى المزيد من التجارب العشوائية واسعة النطاق والتحليلات التلوية لتأكيد التأثيرات الدوائية للزنجبيل، وتحديد مؤشراته السريرية.
ضوابط صحية لكمية الزنجبيل المتناولة بشكل يومي
تشير مراجعة علمية لباحثين طبيين من جامعة ماريلاند الأميركية بشأن العلاج بالأعشاب إلى ضرورة عدم تقديم الزنجبيل للأطفال الأقل من عمر سنتين. ويُمكن للأطفال الأكبر من عمر سنتين أن يتناولوا الزنجبيل لمعالجة الغثيان، أو آلام البطن، أو الصداع. والجرعة التي يتناولها طفل بوزن يتراوح ما بين 20 إلى 25 كيلوغراماً هي نحو ثُلث الجرعة التي يُمكن للبالغ بوزن نحو 70 كيلوغراماً تناولها.
وبالعموم كما يقول هؤلاء الباحثون، فإن على البالغ عدم تجاوز كمية 4 غرامات من الزنجبيل الطازج في اليوم الواحد. أي ما يُعادل نحو 1 غرام من مسحوق الزنجبيل الجاف. ولذا فإن الحامل التي تُعاني من الغثيان والقيء يُمكنها تناول أربع جرعات من مسحوق الزنجبيل الجاف، كل جرعة تحتوي على ربع غرام.
ووفق ما تشير إليه العديد من المصادر الطبية، فإن من المهم بالنسبة لمرضى القلب والسكري وارتفاع ضغط الدم ثلاثة أمور، هي:
-لا يتناول المرء الزنجبيل بديلاً لأي دواء علاجي، مثل الأسبرين، أو دواء خفض الكولسترول، أو خفض ضغط الدم، بدعوى أن الزنجبيل سيحقق الغاية نفسها.
-أن تكون كمية ما يتناوله المرء من الزنجبيل بشكل يومي كمية معتدلة، أي لا تزيد عن 1 غرام، أو نصف ملعقة شاي من مسحوق الزنجبيل الجاف.
- أن يُخبر المريض طبيبه بأنه يتناول الزنجبيل بشكل يومي، وكمية ذلك تقريباً.
وبالنسبة للمرضى الذين تتطلب حالتهم المرضية تناول أدوية لزيادة سيولة الدم، فإن عليهم التنبيه إلى أن الزنجبيل يزيد من سيولة الدم أيضاً. وتأثيرات الزنجبيل على سيولة الدم تحصل عبر آليتين: الأولى: هي إضعاف قدرة الصفائح الدموية على الالتصاق ببعضها البعض عند تكوين خثرة التجلط الدموي. والآلية الثانية عبر إعاقة عمل المركبات الكيميائية التي تُوصف بـ«عوامل تكوين تخثر الدم». ولكن هذه التأثيرات طفيفة في زيادة سيولة الدم عند عدم تجاوز كمية 4 غرامات من الزنجبيل الطازج، أو 1 غرام من مسحوق الزنجبيل الجاف. ولذا فإن على المرضى الذين يتناولون أدوية زيادة سيولة الدم عدم الإفراط في تناول الزنجبيل، وليس عدم تناول الزنجبيل بالمطلق.
وتفيد إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA بأن الزنجبيل من التوابل التي تم في بعض الدراسات الطبية ملاحظة أن له تأثيرات على قوة تخثر الدم، وبالتالي التسبب بزيادة سيولة الدم، وفي نفس الوقت أشارت إلى أن دراسات أخرى لم تلاحظ أن للزنجبيل هذه التأثيرات على سيولة الدم. ولذا تنصح بضبط كمية الزنجبيل المتناولة من قبل عموم الناس، وعلى وجه الخصوص من قبل المرضى الذين يتناولون الأسبرين، أو الوارفرين، أو أي أدوية أخرى لها علاقة بسيولة الدم، أو المرضى الذين سيذهبون لإجراء عمليات جراحية. كما تجدر ملاحظة أن تناول الزنجبيل ليس بديلاً لتناول الأدوية التي يصفها الطبيب لزيادة سيولة الدم، أو لإعاقة التصاق الصفائح الدموية ببعضها البعض.
هذا وتنصح الكلية الأميركية لأطباء النساء والتوليد بتناول الزنجبيل باعتباره أحد العلاجات المنزلية الفاعلة وثابتة الجدوى في تخفيف مشكلة الغثيان والقيء لدى الحوامل. وتحديداً، يُشير الباحثون من جامعة ماريلاند إلى أن إجمالي كمية 1 غرام من الزنجبيل، موزعة على عدة فترات، كافية خلال اليوم لتلك الغاية.
كلمات مفتاحية :