تقرير: هجوم "كورسك" اختبار لبوتين و"صدمة" للروس

11-08-2024, 21:40

+A -A
الغد برس/متابعة 

فاجأت عملية التوغل الأوكرانية الأخيرة في منطقة "كورسك" الروسية موسكو والغرب، فالهجوم المضاد، الذي يحمل بصمات شخصية للرئيس فولوديمير زيلينسكي، يشكل خطوة محفوفة بالمخاطر وطموحة تهدف إلى تحويل مسار الحرب.

وأكد تقرير لصحيفة "التايمز" أنه من المتوقع أن تصدم الصور القادمة من "كورسك" الرأي العام الروسي، وتختبر قدرة الكرملين على الرد.

ووفقًا لصحيفة "التايمز" اللندنية، فقد مارس زيلينسكي ضغوطًا على قادته العسكريين طيلة الأشهر الماضية، لشن هجوم صيفي، على الرغم من التحديات التي تواجهها أوكرانيا فيما يتعلق بالقوى البشرية والموارد.

وبسبب إحباطه من التقدم التدريجي والمستمر للقوات الروسية في شرق أوكرانيا، أراد زيلينسكي تغيير "رواية" أن أوكرانيا على وشك الهزيمة، رغم النجاحات التي حققتها في البحر الأسود وشبه جزيرة القرم، والتي لم تلقَ قدرًا كبيرًا من الاهتمام العالمي.

 

خلفية التوغل

عندما بدأ التوغل الأوكراني يوم الثلاثاء الماضي، بدا الأمر كأنه عرض آخر من الاستعراض العسكري الصاخب من جانب واحدة من الجماعات المسلحة المناهضة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن سرعان ما أصبح من الواضح أن هذه كانت خطوة محسوبة دبرها زيلينسكي وقادته العسكريون.

وكان الهدف من العملية توجيه ضربة مضادة إستراتيجية للقوات الروسية، وتحويل الانتباه بعيدًا عن الخسائر الأخيرة التي تكبدتها أوكرانيا في الجزء الشرقي من البلاد، بالإضافة إلى تغيير الديناميكيات على الأرض.

ويتوافق هذا الاختيار العسكري الإستراتيجي، حسب الصحيفة، إلى حد كبير مع أسلوب زيلينسكي الذي يتسم بالجرأة والمجازفة. 

 

التداعيات العسكرية والسياسية

تعد العملية غير مسبوقة، إذ لم تشهد موسكو انتهاكًا لأراضيها منذ عام 1941، ومن المتوقع أن تصدم الصور القادمة من "كورسك" الرأي العام الروسي، وتختبر قدرة الكرملين على الرد.

 علاوة على ذلك أثار استخدام المعدات الأرضية التابعة لحلف الناتو في هذا التوغل، بما في ذلك مركبات "سترايكر" الأمريكية ومركبات المشاة المدرعة الألمانية ماردر، دهشة القادة الغربيين، الذين ربما لم يكن بعضهم على علم بخطط زيلينسكي، ويشعرون الآن بالقلق إزاء استخدام أسلحة غربية داخل الأراضي الروسية.

وحسب الصحيفة، يبدو أن للتوغل هدفًا مزدوجًا وهو توجيه رسالة سياسية إلى موسكو والمجتمع الدولي، وتحويل انتباه قوات النخبة الروسية بعيدًا عن الجبهات الحرجة، لا سيما في منطقة دونباس حيث تتعرض القوات الأوكرانية لضغوط كبيرة.

ويوجد تكهنات بأن القوات الأوكرانية قد تحاول توسيع نطاق وصولها إلى محطة الطاقة النووية في كورسك، على غرار احتلال روسيا لمحطة زابوريزهيا الأوكرانية في عام 2022.

 

التنفيذ والقوات المشاركة

وكانت العملية العسكرية الأوكرانية مُجهزة جيدًا، إذ شملت هجومًا إلكترونيًّا كبيرًا عطل دفاعات الحدود الروسية وقدرات الطائرات المسيرة.

وتشمل القوات المشاركة في التوغل وحدات متمرسة من اللواءين الآليين 22 و88، واللواء 80 للهجوم الجوي، ويبلغ مجموعها ما بين 6000 و10000 جندي. جُهزت هذه الوحدات بمجموعة متنوعة من المعدات الثقيلة والهندسية، ما يشير إلى نية كييف الحفاظ على وجود طويل الأمد في المنطقة.

والمعدات المستخدمة في العملية لافتة للنظر، بما في ذلك مركبات قتالية مدرعة من طراز سترايكر الأمريكية، ومركبات مشاة مدرعة من طراز ماردر الألمانية، وربما حتى مركبات برادلي الأمريكية من طراز إم 2.

وجلبت القوات الأوكرانية مركبات هندسية ومعدات لإزالة الألغام، وقاذفات صواريخ متعددة من طراز هيمارس، وقذائف هاون بعيدة المدى ووحدات دفاع جوي أرضية.

ومن الواضح أن الجيش الأوكراني ينوي الصمود والقتال في الجيب الذي أنشأه في "كورسك"، وربما يرسل مزيدًا من التعزيزات العسكرية.

 

الرد الروسي والتحديات

وكان رد روسيا على التوغل بطيئًا؛ بسبب تركيز قواتها الحدودية الشمالية باتجاه بيلغورود، والتي كانت منخرطة في هجوم فوفشانسك المتوقف.

وأدت حقول الألغام الأوكرانية إلى تعقيد الجهود الروسية لإعادة نشر القوات لمواجهة التوغل في كورسك.

 وبحلول يوم السبت، كانت المعارك على الجانب الشرقي من الجيب شرسة، على حين شاركت القوات الجوية الروسية بنشاط مع تقديم دعم جوي مكثف في المنطقة. 

من جانبها، لا تزال القوات الأوكرانية تتمتع بميزة المفاجأة، التي تكاد تصل إلى حد الدهشة، ويبدو أنها فازت بالجولات الافتتاحية من هذه المعركة.

ولكن رغم النجاح الأولي، تواجه تلك القوات معركة شاقة؛ بسبب العدد الهائل من القوات والموارد الروسية التي يمكن أن تُحْشَد لاحقا، لا سيما أن استمرار وجود مثل هذا التوغل داخل الأراضي الروسية لن يكون مقبولًا بالنسبة للرئيس بوتين.

 

مقامرة إستراتيجية

يعكس قرار زيلينسكي بالتوغل في الأراضي الروسية مقامرة إستراتيجية لتغيير مسار الحرب، على حين يزعم المنتقدون أن الخطوة تجازف بفقدان جنود وأصول أوكرانية قيمة، ما يمثل إساءة استخدام للقوات والمعدات الثقيلة التي تحتاج إليها أوكرانيا بشدة في الجبهتين الجنوبية والشرقية الأكثر أهمية. 

وتعتقد الصحيفة أن الهجوم المضاد هذا لن يؤدي إلى تحويل مسار الحرب، والنجاح العسكري سوف يُقاس في نهاية المطاف بمدى التكلفة التي قد تتحملها روسيا لاستعادة السيطرة على المنطقة. 

وعلى الصعيد السياسي، سوف يعتمد نجاح الهجوم المضاد على مدى تأثيره النفسي على موسكو، وما إذا كان سيخلق بعض الشكوك الحقيقية داخل دائرة بوتين حول جدوى الحرب، وما إذا كانت تستحق تكلفتها المتزايد. 

تختتم "التايمز" بالقول إن زيلينسكي، الممثل الكوميدي الذي تحول إلى سياسي، اتخذ فعلًا ثاني أكبر قرار إستراتيجي في حياته بهذا الهجوم المضاد، بعد إعلانه القتال في شوارع كييف في بداية الغزو.

ومع استمرار تطور الصراع، يراقب العالم ليرى ما إذا كانت هذه الخطوة الجريئة ستحقق الفوائد المرجوة لأوكرانيا، أم أنها ستضفي مزيدًا من التعقيد على التوازن الدقيق في المنطقة.



كلمات مفتاحية :



آخر الأخبار