+A
-A
الغد برس/ متابعة
يواجه الشارع الصيني مزيجاً غير مريح من العجز عن شراء الذهب وتراجع الإنفاق، إذ تعكس أسعار الذهب القياسية وتراجع الاستهلاك خلال العطلات حالة القلق التي تسود ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وسط ضعف الطلب المحلي، وتباطؤ النمو العقاري، وتحديات السياسة النقدية. ولطالما عُدّ الذهب ملاذاً مفضّلاً لدى الصينيين، سواء للزينة أو الادخار. لكن الارتفاع القياسي للأسعار هذا العام جعل اقتناء المعدن النفيس رفاهية لا يقدر عليها كثيرون. فقد قفزت أسعار الذهب بأكثر من 50 في المائة منذ مطلع 2025 لتتجاوز 4 آلاف دولار للأونصة عالمياً، مدفوعةً بحالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي والتوترات الجيوسياسية. وفي الأسواق الصينية، ارتفع سعر الغرام إلى نحو 1160 يواناً (162.9 دولار)، مقارنةً بـ630 يواناً فقط في يناير (كانون الثاني) الماضي، وفق بيانات وسائل الإعلام الرسمية. ويقول يان ليشياوفنغ، مدير شركة «شنتشن شنهوي» لتجارة الذهب بالجملة في سوق شيويبي، وهي أكبر سوق جملة للمجوهرات في البلاد، إن المعاملات تراجعت بنسبة 60 في المائة هذا العام مقارنةً بالسنوات العادية. ويضيف لـ«رويترز»: «كان الزبون يستطيع شراء 3 غرامات من الذهب بألف يوان، واليوم لا يشتري إلا غراماً واحداً فقط. الفارق هائل». وفي إحدى كبرى أسواق الذهب بشنغهاي، يؤكد الباعة أن الإقبال على الشراء لا يزال قائماً، لكن غالبية المعاملات اليوم تتم في شكل «استبدال»، حيث يعيد الزبائن بيع مجوهراتهم القديمة للحصول على تصاميم جديدة بالوزن نفسه تقريباً. ويقول البائع وانغ هاي تشوان: «الاستهلاك ما زال قوياً، لكن ارتفاع الأسعار الكبير جعل بعض الناس يترددون. في المقابل، هناك مَن يشترون بدافع اعتقادهم أن الأسعار ستواصل الصعود».
• إنفاق العطلات يتراجع
لكن في المقابل، تكشف بيانات الإنفاق خلال عطلة «الأسبوع الذهبي»، خلال الفترة ما بين 1 و8 أكتوبر (تشرين الأول) عن وجه آخر للأزمة. فرغم تسجيل 888 مليون رحلة داخلية خلال العطلة، بزيادة 16 في المائة عن العام الماضي، فإن متوسط الإنفاق لكل رحلة انخفض إلى 911 يواناً (113 دولاراً)، وهو أدنى مستوى منذ عام 2022 حين كبّلت جائحة «كوفيد - 19» الحركة الاقتصادية. وبلغت إيرادات السياحة المحلية 809 مليارات يوان (نحو 113 مليار دولار)، بزيادة 15 في المائة سنوياً، لكنها أقل من التوقعات التي كانت تراهن على استفادة أكبر من انتعاش سوق الأسهم الصينية التي بلغت مؤخراً أعلى مستوياتها في عقد. ويقول محللو «سيتي بنك» في مذكرة حديثة إن أنشطة العطلات عادت إلى طبيعتها نسبياً مع تعافي السفر لمسافات طويلة، لكن «الزخم الجديد للنمو ما زال ضعيفاً، ولا توجد مؤشرات واضحة على تأثير الثروة الناتج عن صعود الأسهم». أما محللو «نومورا»، فيرون أن ارتفاع الأسهم لم ينعكس على الاستهلاك، في ظل استمرار الضغوط على الأسر؛ بسبب ضعف العقارات ومخاوف الأمن الوظيفي.
• مؤشرات ضعف الطلب المحلي
ومن المؤشرات اللافتة خلال العطلة أيضاً تراجع إيرادات شباك التذاكر السينمائي، وهو عادةً أحد أكبر المستفيدين من «الأسبوع الذهبي». فقد انخفضت الإيرادات إلى 1.83 مليار يوان فقط، أي بتراجع 12.8 في المائة عن العام الماضي، وبنحو الثلث مقارنةً بعطلة 2023 التي استمرت 8 أيام، وفق بيانات منصة «ماويان» لحجز التذاكر. ويقول ليو تاو، وهو موظف مالي من بكين: «لم أشاهد أي فيلم هذه العطلة، بينما كنت أشاهد واحداً على الأقل كل عام. سافرت إلى يانغتشو مع عائلتي، ولم يكن هناك وقت أو أفلام مشوقة. أفضل مشاهدة مقاطع قصيرة على هاتفي... وهي مجانية».
هشاشة الثقة
ويعكس المشهد المزدوج في الصين، من إقبال على الذهب بوصفه ملاذاً آمناً يقابله تراجع في الإنفاق اليومي، هشاشة الثقة الاستهلاكية... فبينما يرى بعض المواطنين أن الأسعار ستواصل الصعود، مبررين شراء الذهب بوصفه تحوّطاً ضد التضخم، يتجنب آخرون الإنفاق على الكماليات وسط ضبابية سوق العمل والعقار. ويرى محللون أن تزامن ارتفاع الذهب مع ضعف الطلب الداخلي يشير إلى تحوّل مدّخرات الأسر نحو الأصول الآمنة بدلاً من الاستهلاك، وهو ما يقيّد محاولات الحكومة لإنعاش النمو عبر الإنفاق المحلي. وفي ظل التحديات التي تشمل تباطؤ قطاع العقارات، والمنافسة المفرطة في السوق الداخلية، والعوامل المناخية القاسية، والسياسات التجارية الأميركية الجديدة، تبدو الحكومة الصينية أمام معادلة صعبة، وسؤال مهم مفاده: «كيف تُعيد الثقة للمستهلكين، من دون كبح التدفقات الاستثمارية التي تبحث عن الأمان في المعدن الأصفر؟».
كلمات مفتاحية :