+A
-A
الغد برس/ متابعة
شهدت أسواق الفضة العالمية اضطراباً حاداً خلال الأيام الماضية، بدأ من الهند وامتد صداه إلى قلب لندن (المكان الذي تحدد فيه الأسعار العالمية). القصة بدأت مع موسم الأعياد الهندوسي، لكنها سرعان ما تحولت إلى أزمة عالمية غير مسبوقة منذ 4 عقود.
في بداية الأسبوع الماضي، فوجئ فيبين راينا، رئيس قسم التداول في شركة "MMTC-Pamp India Pvt"، أكبر مصفاة معادن ثمينة في الهند، بنفاد مخزون شركته من الفضة لأول مرة في تاريخها.
قال راينا: "معظم المتعاملين في الفضة والعملات الفضية نفدت مخزوناتهم... لم أشهد سوقاً مجنوناً بهذا الشكل طوال مسيرتي الممتدة لـ27 عاماً".
الطلب الكاسح من المستهلكين الهنود تزامن مع تدفق المستثمرين الدوليين وصناديق التحوط على شراء الفضة، في رهان على هشاشة الدولار، أو ببساطة لمجاراة الارتفاع الجنوني في الأسعار.
الطلب الهندي.. شرارة الأزمة
خلال موسم ديوالي، يشتري مئات الملايين من الهنود مجوهرات بمليارات الروبيات وفقاً للمعتقدات الهندوسية، وغالباً ما يكون الذهب هو الخيار الأول. لكن هذا العام، حدث تحول مفاجئ نحو الفضة، مدفوعاً بحملة ترويجية ضخمة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ففي أبريل الماضي، نشر المصرفي وصانع المحتوى الرقمي سارتهاك أهوجا مقطع فيديو لمتابعيه الذين يتجاوز عددهم 3 ملايين، أكد فيه أن نسبة سعر الذهب إلى الفضة البالغة 1 إلى 100 تجعل من الفضة "الفرصة الذهبية" لهذا العام. الفيديو انتشر كالنار في الهشيم، خاصة خلال مناسبة "أكشايا تريتيا"، أحد أهم أيام شراء الذهب في الهند.
الطلب يتجاوز التوقعات.. والعرض ينهار
وقال المدير العام لشركة "M.D. Overseas Bullion" أميت ميتال: "لم نشهد مثل هذا الطلب من قبل... إنه هائل". ومع تزايد الإقبال، قفزت العلاوات السعرية للفضة في الهند من بضعة سنتات إلى أكثر من دولار للأونصة، ثم إلى أكثر من 5 دولارات، وهو مستوى غير مسبوق.
في الوقت نفسه، أغلقت الصين، أحد أكبر موردي الفضة، أبوابها بسبب عطلة وطنية استمرت أسبوعاً، ما دفع التجار الهنود للاتجاه إلى لندن، مركز تجارة الفضة العالمي. لكن المفاجأة كانت أن خزائن لندن، التي تحتوي على أكثر من 36 مليار دولار من الفضة، كانت شبه فارغة، إذ أن معظمها مملوك لصناديق المؤشرات المتداولة (ETFs).
الذعر يصل إلى لندن.. والبنوك تتراجع
مع تصاعد الطلب، بدأت البنوك الكبرى في لندن، التي تهيمن على سوق الفضة، في التراجع عن تقديم عروض الأسعار، وسط مكالمات غاضبة من العملاء الذين يطالبون بتأمين احتياجاتهم. أحد المصرفيين وصف المشهد قائلاً: "العملاء كانوا يصرخون عبر الهاتف... لم نعد قادرين على تقديم أسعار جديدة".
في مؤشر على مدى الفوضى، قال أحد المتداولين إنه تمكن من شراء الفضة من بنك بسعر معين وبيعها لبنك آخر بسعر أعلى في نفس اللحظة، وهو أمر نادر في سوق ضخم ومتنافس مثل لندن.
مع اشتداد الأزمة، ارتفعت أسعار الفضة إلى مستويات قياسية، متجاوزة 54 دولاراً للأونصة يوم الجمعة، قبل أن تهوي فجأة بنسبة 6.7%، في تراجع وصفه المتداولون بأنه "علامة جديدة على التوتر الشديد" الذي يعيشه السوق، في أسوأ أزمة منذ محاولة الأخوين هانت احتكار السوق قبل 45 عاماً.
مع اشتداد الأزمة، أبلغ بنك "جي بي مورغان"، أكبر متداول للمعادن الثمينة، أحد عملائه في الهند بعدم توفر أي شحنات فضة حتى نوفمبر، ما دفع صناديق مثل "كوتاك" و"يو تي آي" و"بنك الدولة الهندي" إلى تعليق الاكتتابات الجديدة في صناديق الفضة.
وفي ظل هذا المشهد المضطرب، توقفت بعض المصافي الكبرى مثل "أرغور-هيراوس" السويسرية عن استقبال أي شحنات فضة جديدة غير متعاقد عليها مسبقاً.
كيف انفرط عقد السوق؟.. أزمة الفضة تتفاقم عالمياً
لطالما عرف سوق الفضة بتقلباته الحادة، لكن ما حدث في أكتوبر 2025 تجاوز كل التوقعات، حتى أن البعض شبهه بمحاولة الأخوين هانت احتكار السوق في ثمانينيات القرن الماضي. حينها، تدخلت الجهات التنظيمية وأوقفت فتح مراكز شراء جديدة، ما أدى إلى كبح جماح الأزمة.
وفي عام 1998، عندما اشترت شركة "بيركشاير هاثاواي" التابعة لوارن بافيت ما يعادل ربع الإنتاج السنوي العالمي من مناجم الفضة، وتسببت في أزمة خانقة بسوق لندن، سارعت رابطة سوق لندن للمعادن الثمينة (LBMA) إلى تعديل قواعدها، فمددت فترة تسليم المعدن إلى 15 يوماً بدلاً من 5 أيام.
لكن هذه المرة، لا ترى الرابطة حاجة لاتخاذ إجراءات مماثلة، إذ تعتبر أن الأزمة الحالية ناتجة عن نقص حقيقي في المعروض، وليس بسبب اختناقات لوجستية كما حدث في 1998، وفقاً لمصدر مطلع على موقفها.
الطلب يتجاوز العرض.. والطاقة الشمسية في الواجهة
منذ 5 سنوات، يتجاوز الطلب العالمي على الفضة حجم المعروض من المناجم والمعدن المعاد تدويره، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الطفرة في صناعة الطاقة الشمسية، التي تعتمد على الفضة في الخلايا الكهروضوئية. ووفقاً لمعهد الفضة، فقد تجاوز الطلب المعروض بنحو 678 مليون أونصة منذ عام 2021، في وقت تضاعف فيه الطلب على الفضة لأغراض الطاقة الشمسية.
للمقارنة، بلغ إجمالي المخزونات في لندن نحو 1.1 مليار أونصة في بداية عام 2021، ما يعني أن الفجوة بين العرض والطلب باتت تهدد استقرار السوق.
رسوم ترامب.. والاندفاع نحو نيويورك
مع بداية عام 2025، بدأت الضغوط تتصاعد في السوق، وسط مخاوف من أن تشمل رسوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتبادلة معدن الفضة. هذا القلق دفع المتداولين إلى تسريع شحناتهم إلى مستودعات نيويورك، حيث تم نقل أكثر من 200 مليون أونصة في محاولة لتفادي الرسوم المحتملة.
وفي الوقت ذاته، اجتاحت الأسواق موجة استثمارية ضخمة في المعادن الثمينة، ضمن ما يعرف بـ"تجارة إضعاف الدولار"، ما أدى إلى تدفق أكثر من 100 مليون أونصة من الفضة إلى صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) حول العالم حتى سبتمبر، وساهم في دفع الذهب إلى تجاوز حاجز 4000 دولار للأونصة لأول مرة في التاريخ.
مخزونات لندن تتآكل.. والذعر يتصاعد
هذان العاملان — الرسوم الأميركية والطلب الاستثماري — استنزفا مخزونات لندن، التي تعد العمود الفقري لتداولات الفضة العالمية، حيث يتم تداول نحو 250 مليون أونصة يومياً. وبحسب تقديرات شركة "Metals Focus"، فقد تراجعت الكمية المتاحة للتداول الحر في سوق لندن إلى أقل من 150 مليون أونصة بحلول أوائل أكتوبر.
كلمات مفتاحية :